مقابلة مع المخرج بيدرو ألمودوبار حول فيلم خوليتا







-         يبدو واضحًا أنه منذ فيلمك " talk to her" 2002، صرت غالبًا تصنع أفلامًا عن شخصيات تعيش في عزلة كاملة عن العالم. وهذا موجود في أفلامك "bad education" و" volver" و "broken embraces" و "the skin I live in" وأخيرًا "I’m so excited". ويبدو ظاهرًا الأن في فيلمك الأحدث " خوليتا." هل كل هذا بسبب اصابتك بطنين الأذن؟

-         ألمودوبار: ربما، أعيش حياة وحيدة للغاية، وحياتِك الخاصة دائمًا موجودة معك عِندما تكتب، حتى لو لمْ تكنّ القصة سيرة ذاتية. أعيش وحيدًا فِي منزلي الهادِئ مع قطتي، وحِين أعاني من الطنين أقضِي على الأقل ثلاث أيام كاملة في هدوء تام. وبعدها أعرف أنّ الصوت سيختفي تمامًا كما جاء.  بالنسبة لِي من الصعب أنّ أتخيّل أحد شخصياتِي الرئيسية وخاصة لو كانت امرأة، ولا تشعر بنفس الوحدة التي أشعر بها الأن. وهو أمر موجود في أفلامي من قبل، لكن ربما هو أيضًا شيء لا أستطيع الهروب منه.
-         هل أنت مُدِرك بِما قد جعل فيلمك الجديد مختلف عما جعل أفلامك الخاصة من قبل معروفه حول العالم؟
-         ألمودوبار: لقد كنتُ دائمًا أضع حبكات متغيرة twisted plots. وهو جزء من طبيعتي، وأيضًا جزء من اسلوبي الخاص. ولكن هذه المرة أردتُ أن يكون الفيلم بسيط. أردتُ أن أغوص أعمق بطريقة مكشوفة، لأنني أعرف أنه لو فشل أمر ما فلن يكون بوسعي إصلاح ذلك. المشهد النهائي للمثال: هو مشهد وسط لشخصيتان في سيارة. لا شيء أخر. كان بوسعي تصوير أشياء متحركة في المشهد، مثل الأشجار تعبر حولهما، أو الطريق، أو البركة، أو مشهد داخلي للسيارة.. لكن رهنتُ على بطاقة واحدة. وهي مشهد بسيط.. كل ما فعلته هو أنني أخدتُ نفس طويل بعد رؤية الاندفاعات.
-         وهناك مشهد بدوَّت كما لو أنك عملت فيه ضد طبيعتك؟
-         ألمودوبار: لن أقول ذلك، على الرغم من أنه وجب عليّ كبح نفسي. أردتُ بشكل صريح أنّ أخرج كل علامات الفكاهة، للمثال. لو ضحك المُشاهد على شخصية "روسي دي بالما،" فهذا لأن الضحكات جاءت من فيلم أخر، حتى أنه ليس لذيّ أية رغبة في إضحاك المشاهد. لقد تهربتُ من الكوميديا أثناء كتابتي لفيلم خوليتا. أنه أكثر أفلام كبح للدرامية وقسوة. حتى الجماليات، والأماكن التي صورت فيها، كانت بيضاء وخالية.. ربما، منذ الأن ولاحقًا، سوف أتبع طريق القسوة، لا أعرف، لكني أشعر بأنها ربما تكون النهاية، أو البداية لأمر ما.
-         كيف أثر هذا القرار في طريقة عملك؟
-         ألمودوبار: للمثال، كانت المرة الأولى التي، قبل التصوير، تخيلتُ المشاهد كما أريدها بالتحديد. أيضًا، لم أستعمل كاميرا اليد أو الكثير من حركة الكاميرا.  أظن أن حركة تيار الدوغما Dogma قد أثرت في جماليات السينما بطريقة مغايرة. أيضًا، القليل من wide angle  و sequence shots، لم أكن أريد رؤية كل شيء. أردتُ أن أتحكم في نظرة المُشاهد، اخباره بما يفترض به أن يرى، وأتحكم في ردود أفعاله. وهذا هو عمل المخرج. حيث هذا الفيلم هو تصريح باستخدام الـ tripod و الdynamics of shot أو reverse shot.
-         إذ يمكن القول أنّ فيلم خوليتا هو حركة محسوبة في مسيرتك المهنية. لكن أي المشاهد سيكون بعيد عن كمية الحسابات التي جاءت من قرارك هذا.
-         ألمودوبار: نعم، ربما يبدو عشوائيًا أكثر مِما هو عليه في واقع الأمر. أنا واعي للغاية حول السير الإبداعي التي تتبعه أفلامي، لكن ليس حول كل شيء. العملية الإنتاجية ترغمك على الإيجاب على ما يقارب 300 سؤال يوميًا، لهذا عليك أنّ تفسر قرارتك لفريق العمل، واحد تلوى أخر، ومن الأفضل أنّ يكون لك أسباب جيدة حول قرارتك. أفكر كثيرًا في كل التفاصيل الصغيرة في الفيلم. لكن الأمر الحقيقي، جوهر العملية الإبداعية، منذ اللحظة الأولى التي أجلس فيها لكتابة النص، والذي لا يحكمه السبب بل الحدس، وربما من قوة غير عقلانية. وخاصة الشكل البصري، جماليات القصة: رسم وتجسيد القصة في أكثر من عشرين شكل حتى أجد اللون المطلوب الذي أريده. أحب الأخضر الذي لونه مثل الرمادي، وليس الأخضر الذي يميل للأصفر. أمور مثل هذه، لا يوجد طريقة ممكنه لتفسر بها كل هذه الأشياء للفريق. وأتمنى أن يثقوا بي ويتبعوا حدسي.
-          الالهام وراء " خوليتا" جاء مِن ثلاث قصص قصيرة للكاتبة الكندية " أليس مونرو". وهذا كان مِن المُمكن أنّ يكون فيلمك الأول الناطق بالإنجليزية، ولكنك غيرت خطتك.
-         ألمودوبار: نعم. أدبيًا الإلهام من مونرو وجغرافيا الإلهام مِن كندا. وقد زرتُ فانكوفر، ولكني وجدتُ المكان غير ملائم والضوء مُعتم جدًا ولم أتخيل نفسي أصور في مِثل هذا المكان. وقد بحثُ عن مكان في نيويورك، وفي قري للصيد، حتى إني تكلمت مع مُمثلة معروفه حائِزة على الأوسكار، والتي قالت لي برحب " نعم، سوف أعمل معك، لا يهم ما يكون الدور." وربما بالفعل كان سيكون فيلمي الأمريكي الأول، لكنِي خُفت.. لا أعرف عن ثقافتهم بما فيه الكفاية لأصنع فيلم في بلادهم.
-         المرة الأولى التي شاهدتُ فيها "خوليتا" شعرتُ بأن هناك صانع أفلام يريد أعادة صُنع نفسه. والمرة الثانية لم أتوقف عن التفكير في بيرغمان. هل هذا يعني لك أي شيء؟
-         ألمودوبار: أجل أعتقد أنه يعني أمر ما.. لنّ يكون غريبًا أنّ تأخذ خوليتا المشاهد للإحساس بعوالم بيرغمان. في الواقع، أشعر بالإطراء أنك فتحت الموضوع. بعض الأجزاء في الفيلم، حتى البوستر الأصلي، كنت قد استوحيتهم مِن فيلم persona. كُنت قد اعترفتُ كثيرًا عبر السنين بهوسي الكبير بصُناع الأفلام السويديين. و وودي ألن أيضًا ضحِية لنفس هذا الهوس، رغم أنّ أفلامه عكس أفلام بيرغمان، وكذلك أفلامي. "
-         الموت، والجنس، واليأس، وحتى اللحظات الروحية واستعمال الـmaster shots في الفيلم، جعلته يبدو مثل عوالم بيرغمان.
-         ألمودوبار: أحب الكلمة "روحيات" أظنه شيء كُنت قد بدأت أعمل عليه منذ فيلم talk to her، وهو الفيلم الذي أعتبره الأقرب إلى خوليتا أكثر من أفلامي الأخرى. وهذا ربما يبدو غريب أنّ يقال مني، لأن عملي كان دومًا مرتبط بالجسد واللحم، وليس بالضبط مع الروحيات، أو الروح.
-         الصورة الغريبة لمشهد الغزال يتبع القطار في الليل مازالت ظاهرة حتى مع نهاية الفيلم.
-         ألمودوبار: بالنسبة لي، الجزء الخاص بالقطار مهم جدًا. وهو أيضًا أكثر الأجزاء الذي كان مقارب للنص الذي كتبته مونرو. على الحرص بقوة على مشهد الغزال، لأنه أخد منا الكثير من الوقت والجهد حتى يأتي بنفس الطريقة التي جاء بها. أعتقد أنّ كل شيء حصل في القطار هو مثل حكاية خيالية ومريعة. غموض صورة الغزال مهم لأن البطلة في النهاية مطاردة من قبل شيء جوهري غامض: كيف بوسع ابنه أن تتخلى عن أمها؟ أنه قرار غامض وقاسي للغاية من ابنتها.
-         لقد عملت هنا للمرة الأولى مع المُمثلة إيما سواريز والممثلة أدريانا أوغارتي في دور البطولة، هل هي خطوة منك للتجديد؟
-         ألمودوبار: حين كتبت النص، كانت هناك ممثلتان فقط في رأسي. روسي دي بالما وسوسي سانشيز. والتي لعبت دور ثانوي. لكني لم اتخيل أي من المُمثلات اللواتي عملت معهن في السابق في دور خوليتا.  والقرار الأخر كان بينيلوب كروز، لأنها يمكن أنّ تكون بسهول في سن الخامسة والعشرون ثم في سن الخامسة والخمسون، لكن لأقول الحقيقة، لم أتخيلها في صورة خوليتا. والأكثر، لا يمكنني أن أضع عليها مكياج الشيخوخة، سأبغض القيام بذلك.  الحيل في أفلامي قليلة وتعتمد على الأبداع، أحب التمثيل وليس تصوير الواقع، لكني أكره حيل المكياج على الممثلين، لم يسبق أن عملت معي.  وقد كان واضح بالنسبة لي أنّ أجد ممثليتين، لأن هناك شيء واحد لا يمكنك تغيره: النظرة في العيون. النظرة في عيون الشابة لا يمكن أنّ تكون نفسها في عيون المرأة الكبيرة، وخاصة التي كانت ضحية للكثير من المعناه في حياتها.
-         المشهد في الحمام، الذي أخدت فيه سواريز مكان أوغارتي، كان مُبهر وجميل. الطريقة التي أستبدلت بها وغيرت بها كانت طبيعية جدًا في خوليتا. هل كان عمدًا؟
-         ألمودوبار: بالطبع، لقد عملت بجهد عليها. لو بوسعي، لدعوت الجميع لعرض أخر. بشكل عام، أحب أن يعاد مشاهدة أفلامي مرتين على الأقل، ولكن مع خوليتا، ظننت بأن هذا مهم جدًا. على الرغم من ذلك الانطباع بأن القصة واضحة ومستقلة، ولكنها في الحقيقة لم تتوقف عن الحركة في الفضاء والوقت، قفزت على 30 سنة في الكدرات. أنا فخور بالطريقة التي ظهر بها النص. ولم أغير أي شيء أثناء التعديل، لكن عمل " بيبي سالسيدو،" مُحرر اعمالي منذ أول فيلم قمت به، مذهل للغاية.
لحظة الرجوع هي مثال جيد. كما قلتُ سابقًا، كنت أريد منذ البداية أن أضع وجهان لخوليتا. أردتُ للمعنى الدرامي أنّ يكون بسيط للغاية، لكنه أحتاج الكثير من الوقت لصنع ذلك. أستخدام المنشف في الحمام جعله أمر ممكن، وحتى شاهدتها عدلت بطريقة الصحيحة لم أعرف أنها ستعمل كما أريد. وقد شعرتُ بالراحة، لأن أدرايانا وإيما لم تكونا تشبهان بعضهما للغاية.
-         الدراما خرجت بشكل لولبي لتصير قصة حول الشعور بالذنب. لماذا؟
-         ألمودوبار: لم أتمكن من فعل شيء أخر. خوليتا بالنسبة لي، قصة حول الإخفاق. هي لم تفعل شيء خاطيء، ولم تستحق أنّ تترك لوحدها من قبل ابنتها، لكنها مع ذلك دفعت لتشعر بالذنب. إنها مفارقة أيضًا في داخلي. أنا متأكد أنها جاءت بسبب البيئة المسحية التي عشت فيها. كل الشعور بالذنب والعقاب. لقد حاولت تجنبها، لكني لم أستطع. في النهاية، بطريقة ما، هو الشيء المفضل عندي حول الدراما.
-         لقد قدتنا لنصدق أن "انتيا" (ابنت خوليتا) قد شاركت في جماعة دينية. مع ذلك أردت خوليتا أنّ تتحقق من ذلك، ولكننا لم نعرف أبدًا ماذا حصل لها.
-         ألمودوبار: لقد أردتُ التركيز عن التقلبات في حياة خوليتا فقط. في لحظات الضعف تتخيل أنها قد اعدت ابنتها. انتيا، في الواقع، تختفي من الحبكة في مرات عديدة. نحن لم نتبع حياتها، لكن حياة خوليتا. والقصة تقترح أن انتيا قد عثرت على إيمانها في مجموعة دينية معينةـ لكني لم أرغب في تحويل هذه الدراما إلى قصة تحقيق. لو قررت فعل ذلك، لم يكن بوسعي العودة إلي حيث أردتُ.
-         القصة تدور حول أخر ثلاتين عام، أي تقريبًا نفس الفترة الزمنية التي عملت فيها على صنع الأفلام. هل تغير حافزك الشخصي كصانع أفلام عبر هذه السنوات؟

-         ألمودوبار: ليس حقًا. يجدر بي القول قناعاتي كصانع أفلام قد تطورت أكثر مِن حين كنت أصور بكامير super 8. وحينها لم يكن يمكن توقف مهنتي. أظن أنني كنت سأنتهي كشخص حزين لو لم أعمل في صنع الأفلام. لقد كُنت شخص محظوظ من هذه الناحية. السينما بالنسبة لي شيء يتجاوز الاعمال. السينما تعبر عن طريقتي للعيش. لقد كنت أتهرب من كل الأشياء التي كنت أعزها في صغري، مثل الحفلات، مثل المخدرات، مثل الرغبة، حتى أنتهى بي الأمر أعيش مثل سجين للسينما. لو اعتنيت بصحتي، لو خسرتُ الوزن الزائد، انه فقط حتى أكون مستعد لفيلمي القادم. المخرج الاسباني، إيفان زوليتا، وصف هذا بشكل جيد في فيلم " Rapture 1979"  وجه مصاص الدم للسينما. إدماني للسينما كامل ومتكامل، لأني لم أعد أتعاطى المخدرات. لقد أبهرتُ مصاص دماء السينما وسلمتُ نفسي لمتطلباته بشكل واعي. الأن، عدا الوقت حين أصور، حياتي متفردة جدًا. قطتي، واشباحي، والسينما، وأنا. وهذا كل ما أحتاج.

المصدر: مجلة film comment 
مقابلة مع المخرج بيدرو ألمودوبار حول فيلم خوليتا مقابلة مع المخرج بيدرو ألمودوبار حول فيلم خوليتا Reviewed by Roya on 6:12 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.