ماذا حصل لــ "وجودي" من برج الدلو.

" ماذا حصّل لوجودي في برج الدلو"



نُشِرتّ هذِه المَقابلة فِي الثانِي عَشَر مِنّ أكتوبر سنة 1969، تُوفِى جاك كرواك بَعَدهَا بِتَسَعة أيام.
"لكنّ حِينها رقصّا فِي الشوارع كالمَجَانِين، أما أنا فَتَبعتُهما مِثلما كنتُ طوال حياتِي أتبِع أولئِك الذينّ يُثِيرون اهتمامِي، لأنّ الأشخاص الوحِيدين الحقيقِيين بالنسبة إلى هُم المجانين، مجانين العيش والتكلم والسعي إلى الخلاص، المُشتَهون لكل شيء، الذين يسأمون أو يتفوهون بأشياء عادية، بل يشتعلون، ويشتعلون، ويشتعلون كمفرقعات نارية مهيبة تتفجر نجومها عنكبوتيا في كبد السماء وفي وسطها تفرقع الشعلة الزرقاء وكل شيء يقول: آآآه."
-         من رواية على الطريق لجاك كرواك. *(1)


البَعَضُ، مِثل ألن غينسبرغ، أسِتوعَبَ الوقتّ وصّارَ مُعِلم، سَلَكَ طريقه مِنّ الحرم الجامِعِي إلى الحرم، ومن مُظاهِرة إلى مُظاهرة... لكنّ مَاذا عن أبطال الثقافة الاخريين مِنّ الخمسِينات، النابِضِينّ بالحياة، الصَعالِيك، الشُعراء التائِهين في الطريق المفتوح، جِيل البيتّ؟ الكورسوس، والكاسدي، والفيرلينجيتي*(2)؟ ومَاذا عنّ جاك كِرواك، مَلِكهمْ كُلِهم، مَلِك "علىّ الطريق"؟

هو فِي السِادِسة والأربعين يعيش في شارع بُطرسبرج مع زوجتِه الثالِثة "ستيلا" وأمُه المَشلولة، المنزل الذي يقيم فيه الأنّ، المصنوع مِنّ الطوب كان مِلكًا لأمه.
"لمْ أعد اخرجُ كثيرًا،" قال للصحفي " لا أذهبُ إلى أي مكان علىّ الاطلاق." وخاصه أنه لا يَهَتمُ حتىّ بالإعلانات.
عِندما أرُسِل المُصّور لالتِقاط صُورة لِجَاك كرواك مُؤخرًا، فتحتّ زوجتهُ البَاب وقالتّ: "إنه مريض... سوف يتصّل بِكمْ حِينّ يصِير أفضّل."
 ولم يتصل بعدها أبدًا.
بَعَد أسبوع أو أكثر، ذهَبَ أحدّ الصحافِيين لجوار النخلات على الرصِيف وقرع على نَفس الباب... فتحتّ ستيلا، بِشعرها الرمادي مَع ابتسامتها الحَزينة الواسِعة، وقالتّ "إنه ليس فِي المنزل."
وقد أطلّ عَلينا وجهٌ خلف أكتاف ستيلا، وجهٌ مَع الألغاد الشَهَباء، والعيونّ الحَمرّاء، والشعر الأسود الأشعثّ، جاك كِرواك؟ الوجهُ قال "نعم،" وبعدها سَألَ: " هل تُرِيدُ الدخول؟".
على الرغم مِن أنّ الشمس كانت على بُعِد ساعتِين لتأخذ مَسَاءها عتم الخليج عشرة أميالًا إلى الغرب، كان المنزل لايزالُ شَاحِب بالداخِل، كانّ التِلفاز في الزاوية مفتوح، بِلا صوت... الصوت الوحيد الذي كان يُسمع هو صوت المسجل في الغرفة المجاورة.
" أحبُ مُشاهدة التِلفاز بهذه الطريقة" قال كرواك.
" أنت لستّ هُنا لالتقاط صورة لي، أليس كذلك؟ مِنّ الأفضل ألا تُحاول التقاط صُورة لِي أو سوف أقوم بِركلّ مُؤخِرتِك." رسالة تهديد، وبعدها ضَحَكَ.
تم قال "أسمعِي، ستيلا! افتحِي لنا المُوسِيقية!" وذهبتّ سِتيلا لفتح المُوسِيقية... كان وَقعُ أقدامِهَا على الأرض صَامتً، وجلبّ كِرواك كُرسِي هزاز للصّحفي، تُم أرتمي على أخَرَ مِثله في الزاوية.
لقد كانّ يَرتدِي بِنطال بُني فضّفاض، وقمِيص رياضِي بلونِينّ، الأصفر والبُنِي مع أكمام طويلة تَدَحَرجت حتى كوعهٍ، القمِيص كان بأزرار مفتُوحة تُظِهر القميص الذي تحته للخارج... لقد أشار إلى بطنه، كانت كبيرة ومُدورة.
" لقد أصابِني فِتاق*(3) لعِين، هل تعلم؟ الجزء السُفلِي مِن بطنِي سيتفرقع للخَارج...لِهذا أنا ارتدِى مَلابِسي بهذه الطريقة...ليس عِندي أي مكان لأذهب إليه، على أية حال... هل تريد شُرب البير؟ ها؟" وقد اخرج حِزمة من الكاميل في صندوق أخضر بلاستِيكي. " إذًا مَا رأيك بِبِعَض الويسكي؟"
ماذا كان يفعل هذه الأيام، سُئِل كرواك.
"حسنًا، لقد كتبتُ مَقال،" قال لنا، بدّد وقتي سدًا على نحو كبير... كان مُدِير اعماله مشغول بِبِيع مَقال كتبه كرواك، بعنوان" بَعدِي، الطوفان،" توقعاته حول عالم اليوم وما أعتقد أنه ساهم فيه.
هل هُناك شيء أخر؟
"حسنًا، سوف أكتبُ رواية حولّ السنوات العَشر الأخيرة من حياتِي..."
لقد عَاش فِي هذا المنزل لبِضّعة سنوات حتىّ الأن؛ قبلها كان يَعِيش فِي لوويل -ماساتشوستس، وعاش في مدينته الأم، وفي هاينيس أيضًا... من الصعب الحُصول على سَرَد أحداث اعتيادِية من كرواك، الذي يمّلُ مِن الكلام عن مِثل هذه المواضيع.
" أشعرُ بالوحدة هُنا... أعيشُ مَع أمي؛ أنها في الغرفة الخلفِية، مشلولة...هل تكتب كُل هذا؟ فليبارك الله لـ ـthe Celts، أكتبْ هذا أيضًا... أخبِرهمْ بأن ينطقوها مِثلمَا لو كانت حرف K.
زمّ شفتَاه للخارج، ولفّ بعينيه.
" أستطيعُ ضربك، لهذا أتكلمُ بِصُعوبة." تم أعطىّ علامات تَعَجبّ بلهاء، كطِفل صغير مُتجهم، وقال" أتمنىّ."
انِحنى خلفًا ومَسَك زجاجة البِير خاصتُه.
وهنا الانّ جاك كرواك، الرجل الذي كان في حياته المثل الأعلى لألاف الصِغار الذينّ كبروا يَحَسدِونه على شجاعته في كرة القدم خِلال أيامه في جامعة كولومبيا، كل إسقاطاته جانبًا ليذهب "على الطريق"، جِديتهُ، تَقَلبهُ، هَوَسّه بـ “عـفـوية" النتر، خِلال كِتَابته " على الطريق"، و"دارما المتشردين"، وروايات السِيرة الذاتية الأخرى... "لقد كان هُناك سَبَعة عشر كِتابًا،" قال، "تُرجمتّْ إلى سبعة وأربعون لغة."
 مُعتقدات كرواك كبرتّ، المُعتقدين بيه قارئو كل مَا كَتَبَ، وكل مَا كَتَبَ مُؤلِفي البِيتّ...أنهم يعرفون خفاياه، كان موريارتي هو حقًا كاسدي، وكان كودي هو حقًا كاسدي، وكان هارت كيندي هو حقًا كاسدي، وكاسدي كان مُلهِم جِيل البيتّ الأعظم، وهو بِنَفسه لم يكتبْ الكثِير.
جِيل البِيتّ، والخَمِسيناتّ.
" قال لِي جون هولميز ذاتّ يَوَم، كان لذينا الجِيل الضَائِع والجِيل..." فقلتُ له " نحنُّ جِيل البِيتّ" أخبرنِي جاك، " كان هذا في عام 1948."
مُعتقدات البِيت كانت دائمًا واحِدة، بالأحرىّ الأولى فقط. لاحقًا، الصِغار أقاموا نفس الشيء مع رواية سالنجر " الحارس في حقل الشوفان"، وحتى رواية " أمير الذباب" ورواية كِين كيسي " أحَدَهم طار فوق عُش الوقواق"، حتى صار للكاتب كيسي جنوده أيضًا.
وهذا يتضمنّ بالتأكيد نِيل كاسدي، الذي جلبّ كل هذه الدائرة.
"لا أحبُ كِين كيسي،" قال كِرواك " لقد أفسّد كاسدي."
لقد كان كاسدي مُتوفى ذلك الوقت.
 "يُفترض به أنّ يكون مَيَتّ الأن، لكنِي لا أصدقُ هذا!" قال كِرواك.
كِراوك الأنّ يجلس على الكرسي الهزاز في الزاوية داخل الغرفة الشاحِبة يُشاهِد "كرونكايت" يُحرك فمه على شاشة التِلفاز الصامِتة... لم يُحلِق ذقنه منذ يومين أو يوم وقد ظهرت شُعيرات رمادية على وجهه. " إنني حقًا مِثل والس بيري من فيلم the Champ." وأبتسم.
كان هُناك زجاجة نِصف لتر من الفالستاف في يده، وقد كان يحتسِي الويسكي من أحد قارورة الدواء مع جزء بلاستيكي في الأعلى، أنتهشه خارجًا، تم اعاده.
انتهاش، رشفة، انتهاش، وأستمر هكذا، بانتظام، وبترتِيبّ وصوت مُرتِب...وانتهاش.
"أشعر بالوحدة هُنا... لا أعرف كم كسبتّ هذا العام؟ بين الأول من يناير والأول من يوليو، ما يُقارب الألف وسبعمائة وسبعون دولار... هذا كل ما كسبتُ، ولكنِي حَصَلتُ على ثلاثة ألاف في الأسبوع الماضي."
لقد تم استضافته على برنامج " the Buckley" منذ فترة مع ضيفان أخرينّ، طالِب وأحد المُختصِين بعلم الاجتماع... "نعم، مع اثتنين من الشيوعِين." قال (لاحقًا، في مُحادثه أخرىّ، سيقول" المافيا؟ الشيوعيين هما أكبر اعدائها-واليهود.")
على البرنامج، تكلموا حوّل جِيل البِيتّ قليلًا، غالبًا عنّ الهِيبِي والاحداث السِيَاسِية هذه الأيام... كِرواك لا يهتمُ كثيرًا بمُجريات اليوم.
"نعم، اردوا مِنا شيء، فقط هما ابتعدوا كثيرًا... قفز حِزب الشيوعين ليستغل حَركتِي، فقط أردوا حركة شبابية ليستخدموها."
" كان غينسبرغ... في الحفلة مع مجموعة الماري برانكستيرس* (4) الخاصة بكين كيسي، جَاءوا وعَلقوا العلم الأمريكي حولِي... فأخدتُه (وصف كرواك كيف أخدها، بحركات يده) وطويته كما يُفترضوا بِي أنّ افعل، ووضعته على الكرسِي... العلمْ ليس خرقة."
" حِين ذَهَبَنا إلى الجامعة معًا أنا وغينسبرغ، كُنا فِي الواحدة والعشرين. وكان هُناك الكُتبّ وشِكسبير، ولكن غينسبرغ الأن مُعادي لأمريكا."
هل كانت فِكرة البِيتّ رحلة السُكارى؟ مِثلما كانت الهيبي رحلة لمدمني المُخدرات؟
" لقد دخنتُ الحشِيش أكثر مِنّ أي شخص قد تعرفه في حياتِك،" نخّر كِرواك... " ذهبتُ مَرَة إلى حُدود المكسِيك مع باودان ونِصف مِن الحشِيش حول خَصّري في شَالَ حَريري وكنتُ أضع أحَدَ الأحزمة مكسيكية الصُنِع حَوله... وكانت معِي زجاجة كبيرة من التكيلا واعطيتُ حَارس الحُدِود بعضًا مِنها، وقال لِي لا، اعبر الحدود يا سينور."
ضَحَك كِرواك متذكرًا كيف كان.
" كان يُفترض انّ اخضع للضريبة... الضريبة، نعم. أعطني رزمة مِنّ ماريجوانا! لكن الأنواع الأخرى مسمومة؛ سم لاذع، السرعة سُم ايضًا، وال STP سُم، كل شيء مَسَمُوم...لكنّ الحشيش لا شيء."
أستيقظ وذهب إلى المَطبخ مِنّ أجل زجاجة بِير أخرىّ، وفِي طريق عودتِه وقَفَ ليُعِيد تشغِيل المُسجِل...عَبَر كِرواك الغرفة، وارتمي على الكرسي، وعاد ليُكمل المُحادثة بِدقه حيثُ توقفنا.
صوتُ المَسِيح ارتفع في المُسجل، سريع وغبي، مِثل أغانِي ألفين والسناجب التي كانت تُسمع منذ سنوات مضتّ.
انسلت سِتيلا عَبَر الغرفة وقالت “أوه كرواك،" وأصلحتّ المُسجِل.
أشار كِرواك على اللوحة الزيتية في الجِدَار. " هل تعلم من هذا؟"
لقد كان البابا بولس، مع عيون زرقاء كبيرة.
" هل اعجبتك؟ أحِزر من رَسَمَها، أنه أنّا."
وقد سَبَق أن قال: " أنا لستُ وجودي، أنا كاثوليكي."
" الأنّ أنا فقط اتسلل إلى الكنِيسة، عِند الفجر، وفِي وقت صلوات الغروب...لكن نعم، كُلما كبرتّ، صِرت مُنتسِب أكثر."
أراد كِرواك التكلم عن المَقال الذيّ كتبهُ، والذيّ بِيع جيدًا في مجلة Sunday في قِسم المدن في الولايات المتحدة الأمريكية.
" أنه حول المُؤامَرَات الشيوعِية،" قال. لقد صَوَبّ عَيَناه نحو الصّحفي، عِندما ارتضا بالصحفي ِعدم الإجابة، بدأ بالقراءة... كان المقال قد كُتب على ورقة صفراء كبِيرة... لقد قرأ مع الرحب، وإيماءات جَامِحة، وابتسَامة وفوضىّ بلكنه اجنبية مختلفة... ارتفع الصوت، وانخفض... وأنتظم وصار تهديدي... وكانت للكلمات بَلاغَة غير عادِية، حتى التلمِيحَات كانت ثقافِية بِشكل مُدهِش، صوته جَعَل المقال خصبّ وغبِي بالإيقاع، كل هذا يخرجُ مِن رَجَل حَافِي القدمِين مع يومان مِن نُمو الشُعيراتّ الصغيرة.
كان أداءه لا يُنسى، لدرجة أن الصحفِي ذهبَ أبَعَد بِخياله مَهَما كانت الكلِمات وفِكرة المقال ومضّمونها يبدو مُبهمًا.
" سعِيد لرؤيتك، لأنني شخصّ وحِيد للغاية،" قال، تم تكلم للحظة عن الرواية الجَدِيدة التي اعتزم كِتابتها.
" قِصّص المَاضِي،" قال كِرواك. " قِصّتي غير مُنتِهية... أكتبُ علي وَرَق ملفوف طويل، أنت تعلم، تعلم ماهِي هذه الأوراق، لديكم منهم في الجرائد، تشغلها من هناك وتصلح الهوامش، وفقط اكتب واكتب، -فقط أكتب واكتب..."


(1) مقتبس عن ترجمة " سامر أبو هواش."
(2) منسوب إلى أسماء الكتاب من جِيل البيت
(3) شق في البطن يبرز منه جزء من الأمعاء، غالبًا يكون على شكل w.
(4) مجموعة المعتقدين بالكاتب كين كيسي.
ماذا حصل لــ "وجودي" من برج الدلو. ماذا حصل لــ "وجودي" من برج الدلو. Reviewed by Roya on 1:10 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.