البحث الأبدي عن الذات لعائلة " جودوروسكي"


البحث الأبدي عن الذات لعائلة " جودوروسكي"



 كيف حالك اليوم؟

-         أليخاندرو جودوروسكي: بخير. كل يوم هو يوم جيد.

 أرى بأنك جلبت قهوتك معك.

-         أليخاندرو: لا أحب شرب القهوة كثيرًا، لكني قرأت مؤخرًا بأن القهوة جيدة للصحة. كوب واحد في اليوم. وبعدها صرت أشرب كوبًا واحد كل يوم.

خلال احتفلات معرض MoMA، كُنت قد قلت بأنك عملت على ألوان الفيلم مع زوجتك "باسكال". كيف قمت بذلك، وهل ترمز الألوان في فيلم لشيء معين؟


-         أليخاندرو: سأنديها وسوف تخبرك هي بنفسها حول الالوان..

 سأسُعّد بذلك.

-         أليخاندرو: (ذهب للباب، فتحه، ونادا على بعض الأشخاص الموجودون لجوار حجرة الانتظار) هل رأيتِ باسكال؟

)صوت امرأة بريطانية: باسكال ذهبت لمتجر الزهور لشراء بعض الزهور.(

-         أليخاندرو: (أغلق الباب، وعاد لطاولة غرفة الاجتماعات) سوف اخبرك بقصة. نحن صديقان لحفيدة بيكاسو "ديان بيكاسو"، وبالأمس، دعتنا لمنزلها من أجل لقاءٍ بعد طول انقطاع. وهي من الأشخاص الذين يتذوقون الفن. وكانت باسكال  تفكر: " يجب علينا إرسال بعض الزهور. كيف بوسعنا أنّ نرسل لها الزهور؟" وقد كان منزلها جميل، وموقع جميل للزهور. وأفضل شيء هو أنّ نرسل لها، زهرة واحدة – زهرة واحدة بيضاء- لأنه في تاريخ الزنّ "البوذي"، كان هناك معلم شاي لم يكنّ عنده إلا حديقة للزهور البيضاء "الأوركيدا". كانت جميلة، وأحد الجنيرالات في البلاد سمع عنها، وقد رغب في رؤية حديقة زهور معلم الشاي.. فأرسل شخصًا ليقول له: "غدًا، سوف أتي لرؤية زهورك." وفي اليوم التالي حين جاء لرؤية الزهور، لم يكنّ هناك أية زهور.. فقد قطع المعلم كل الزهور. فجنّ جنون الجنيرال بسبب ذلك وقال: " كيف امكنه فعل ذلك؟" وقد دخل لقتل المُعلم، فوجد مزهرية تحتوى زهرة واحدة فقط.. وقال له المعلم: "أسمع، اعرف بأنك جئت لرؤية حديقتي، ولذلك قطعتُ كل الزهور، لأني اريد اهدائك اكثر الزهور جمالًا، وهذه هي اكثرهم جمالًا." هذه هي القصة. إنها جميلة.. وقد قررتُ فعل الأمر نفسه، أن أمنح الزهرة الأجمل التي تُغني عن كل الزهرات الاخريات.

 لماذا قررت أن تلعب المُمثلة ذاتها التي لعبت دور أمك في الفيلم دور الشخصية نفسها التي وقعت في حبها ومُلهِمتك الأولى؟


-         أليخاندرو:  في البداية، بحكم أني قد قرأتُ الكثير في تحليل النفس البشرية فأن الطريقة التي نُحب بها فالحُب الأول يكون عادة لأمهاتنا أو ابائنا. وبعدها نحول ذلك الحب من الأم إلى "امرأة". خطوة بخطوة، حتى ينتقل إلى الشخص الذي سنحبه بحق. فالحب الأول هو حب الأم، وفي حب الأم، لذينا الرغبة في الأم لكننا نرفض أن نقبل بذلك..
كانت أمي شخصًا مكبوت. لقد كبتت كل شيء رغبتّ فيه. وفي الفيلم، سترى بأنها ترتدي حزام حول خصرها. فهي مكتفة طوال الوقت ولكنها لم تلاحظ ذلك أبدًا..
في داخل أمي المرأة ذات الشعر الأحمر التي كانت صورة معاكسة لها.. وقد اخترتُ نفس المُمثلة التي لعبت دور أمي لتلعب دور هذه الشخصية القوية. كُنت خائف منها، وبعدها حررّتُ عقليًا من قبلها. لذلك أستعنت بنفس المُمثلة، لعوامل نفسية.

 هل بوسعك أخباري كيف اخترت الحوارات التي جرت بين نفسك الحالية ونفسك القديمة في هذا الفيلم وفي فيلم " رقصة الواقع"؟

-         أليخاندرو: لأنها كما هي حتى تصبح على ما يسميه " الزن البوذي" : مضئ. والحركات المضيئة illumination موحدة، وليستّ مزدوجة. هناك نفسي ونفسي الأخرى تنظر إلىّ. الكائن الأساسي، أو ما نحن عليه، لا يمتلك عمرًا.. إنه مكتمل منذ اللحظة التي ولد فيها، لكن بعد ذلك، تخلق شخصيتك،  ويأتي مفهوم الذات من العائلة، والمجتمع، والثقافة. يشكلوننا في قالب وهو ليس شخصيتنا الحقيقة.
نحن منفصلون. نحن نتكلم مع انفسنا طوال الوقت. نحن نرى انفسنا ونحنّ ننظر.. نحن نرى أنفسنا ونحن نعيش. هناك لحظة واحدة فقط للمرء حين يكون فيها نفسه. في لحظة الأورغزام،  فأن الازدواج مع النفس ينتهي في لحظة التوحد الكاملة لكل شيء في داخلك. تحضي على النشوة الكاملة، بعدها تعود للازدواج مع نفسك من جديد، وترى نفسك مرة اخرى. في الاورغزام، الحصول على النشوة ليس هو النشوة الحقيقة. وفي الحركات المضيئة، الأمر مماثل. هناك لحظة حين تعود لذاتك.
حين قرأتُ ورق التاروت، قلتُ ما قلته. وبعد خمس دقائق نسيت بالكامل ما قلت. لم تعد لي ذاكرة، لأني لم أرى نفسي أفعل ذلك. وقد فعلت! وبعدها تختفي الذاكرة. فأنت إذن تفعل تلك الأشياء، وهي مثل القطة.. القطة لا تملك ذاكرة لما تفعل. ولكن لذي الحصان ذاكرة، إييه؟

 هل لديهم ذاكرة حقًا؟

-         أليخاندرو: أجل، فلو كان الحصان خائف في لحظة، حين يعود لنفس المكان في اليوم التالي، فأنه يخاف من جديد. لأنه يتذكر. الحيوانات لا تمتلك الذكاء أو مفهوم الذات. اما نحن فنعيش معظم الوقت في مفهوم ذاتنا.


 أجل. اظن بأنك قلت في MOMA بأن نظرتك للماضي، وذاكرتك، تغيرت. هل غيرت ذكرياتك..

-         أليخاندرو: نعم.

 من خلال صناعة الفيلم..

-         أليخاندرو:  احب  الافلام الهوليودية القديمة التي شاهدتها وأنا صغير، كثير منها، مثل فيلم The Hunchback of Notre Dame، وقد كانوا بالأبيض والأسود. في ذلك الوقت، بدأوا بتلوين الأفلام. وكل الناس قالوا: " ما هذه الجريمة! بتلوين الأفلام، انتم تفسدونها!" لكني كنت سعيد برؤية ذلك، أنه بوسعنا أنّ نلون الماضي. وقد بدأتُ بفعل ذلك بذكرياتي. فكرت، "في هذا المكان تعذبتُ كثيرًا." وبعدها في ذاكرتي، حيث كان هناك نافذة تطل على مشهد قبيح، اضفت الأشجار أو جعلته مشهد جميل. وقد غيرتُ الأثاث. وضعت الكثير من الأشياء الجميلة. وبدأتُ بتغير الشخصيات. أمي مكبوتة وتريد أنّ تصير مغنية أوبرا، سأجعلها تغني.. سوف احررها.. وأبي، والذي كان فضيع، صار فيلسوفًا كبيرًا. إنه معلم زنّ. لقد غيرته.
فالذكري هي ما حدث من منظور شخص ما في عمر ما. تتذكرها من منظورك الخاص في ذلك العمر، لكنك لا تتذكر الواقع الحقيقي، لأن الواقع الحقيقي أكبر من أن تتذكره، انه غير موجود. فنحن نخلق تلك المحادثات ولكنها ليس ما يحدث في الواقع..  وأنا قد غيرت ذاكرتي، لكني بدأت من الواقع.. فتحت عقلي..
والدي كان بطل ملاكمة، وقد كنت خائفًا من أبي طوال حياتي. في يوم ما قلت: "بونو، إن هذه رؤية طفل." بعد ذلك في الفيلم الذي صنعته، ركلتُ والدي. وتخلصتُ من كل ذلك الخوف اتجاهه، لأني ادركت إني في هذا العمر حين أظهر في الفيلم، بوسعي أن اقهر أبي.. وقد كنت أراه قويًا وجبارًا لأني كنت مجرد طفل في السابعة من العمر..

 كما انك جعلت الأمر يبدو ظريفًا. لم يكنّ الامر فكاهي وقتها، لكنك بطريقة ما خلقت الفكاهة في تلك الأحداث، مثلما حصل حين جاء الزلزال، وكان والدك يصيح: " انه مجرد اهتزاز بسيط، لا تجعل الخوف يتحكم فيك." بينما، كان هناك اثرًا واضحًا للشقوق وقد ظهرت على الجدران والمنزل يرتعش بجنون.

-         أليخاندرو: ولكنه فعل ذلك بالفعل. كان ذلك حقيقي. والكنيسة التي اهتزت في المشهد قد اهتزت في الواقع كذلك، ونبحت الكلاب: " عاو عاو عاو." هذا واقعي. عشتُ كل ذلك، لكني اظهرت كل ذلك كما لو انه فيلم، أليس كذلك؟ كما لو انه تزين للواقع. ومن المهم رؤية ذلك. أظهرت شخصية الأب. انه ليس شخصًا سيئًا، ولكنه محدود بفكره. وهذان امران مُختلفان. أمي مثلا ليست  عاجزة؛ انما هي شخص محدود القدرة. وأي شخص عادي يمكن أن يكون مثلها، علينا فهم ذلك.
الارهابين على سبيل المثال ليسوا وحوش؛ انهم محدودين بسبب ظروفهم. وهم بشر مثلنا. وأحزن جدًا عند مشاهدتهم يفجرون أنفسهم ويقتلون ما يقارب الأربعين والستين شخصًا. هذا فظيع. لكني أيضًا، حزين لأجلهم، شباب يخسرون اعمارهم لأجل لا شيء. انه لأمر فظيع. إنهم محاصرين بالدين، والسياسة، والمصالح التي تقودهم.
أريد أن أخلق فنًا! لا أستطيع استعمال الشخص كما هو. أريد أن أحوله لشيء فني، شيء جميل، لكن لو أن والدي هناك، من الذي سيلعب دور أبي؟ بالطبع احد أبنائي. من الذي سيلعب دوري؟ أبني الذي أحب.. أحب "أدان"! عندما رزقتُ بأدان، تغيرت حياتي للأبد.. لقد غير حياتي، كما غير أبنه "أليون" حياته. لقد كان مهمًا عندي أن أضع شخصًا قريب من قلبي لهذا الدور، حقًا لأني أحبُ نفسي جدًا، ولستُ أعني بذلك كوني نرجسي، لكني سعيد بكوني داخل هذا الجسد. داخل الفن الذي نحن به سُعداء.
وهناك أمر أخر: الفن أعظم من مجرد صُنع عرض أو برنامج تلفزيوني، يُسلي الناس. الفن هو شيء يجب أن يمنح للناس، للممثلين، للفنان، شيء يُمنح لجعل هذه الدنيا على شكل الجنة التي يمكن أن تكون عليها. الدُنيا بإمكانها أن تصير جنة. أنا مؤمن بذلك. حتي لو كان هُناك " ترامب"، مازال بإمكانها أن تصير جنة.


(دخل أدان الغرفة..)

 مرحبًا أدان، أنا متحمس لسماع رأيك بخصوص تجربة عملك مع والدك. ما الذي يعنيه هذا الدور بالنسبة لك؟

-         أدان جودوروسكي: يعني الكثير. لعبتُ دور أبي ولهذا تحديدًا اطريت لخسارة ما يقارب العشرة كيلو من وزني لأبدو مثله، فقد كان أبي نحيفًا جدًا في ذلك الوقت. وقد أطريت لحفظ سطوري مرة أخرى، لأني لم ألعب أي دور منذ فترة طويلة جدًا، ولأن التصوير فرض أن يكون هناك ترتيب زمني معين، بدأتُ التمثيل مِثل الهاوي، وقد صرتُ اعتاد بشكل تدريجي، وهكذا حتي أصبحتُ منفتحًا مع نفسي في النهاية. وكان هذا مكمل للقصة، لأن أبي كان خجول جدًا في بداية الفيلم وانفتح على العالم تدرجيًا، حتي صار ما هو عليه. وكانت لحظات عميقة لأنني كنت أقوم بمعالجة أمر ما، أعتقد ذلك (ينظر لأبيه) كُنت تحاول أن تُعالج امرًا مع والدك. (أومأ ابيه رأسه) إذن كُنت تعالج أمرًا مع والدك، وقد عالجتُ بذلك شيء مع نفسي أيضًا. بعد الفيلم، أصبحتُ شخصًا أخر. في الواقع، حلقتُ شعري وذهبتُ في رحلة إلي الصحراء في تاكوما ودفنتُ شعري هناك في رمال الصحراء، وبدأتُ أمارس الكثير من نُسك الحُجاج، وبعدها رزقتُ بابن، وتغيرت حياتي بالكامل. أسمي الفني كان " أندوروسكي" قبل ذلك، والأن صرتُ أدان جودوروسكي مرة أخرى، قبلتُ بنفسي بما أنا عليه.


 أليخاندرو، كنت في الخمسون مِن عمرك عندما رزقت بأدان. في أحد مقابلاتك، قلتُ بأنك احتجت نِصف قرن لتشعر أخيرًا بأنك بخير. وخلال أربعيناتك، كنت تشعر كما لو أنك مازالت في رحلة بحثك عن ذاتك..

-         أليخاندرو: نعم.

 قبل ذلك، كنت تبحث...

-         اليخاندرو: لا، مازالتُ أبحث عنها.. أشعر بأني ما زلتُ في أول الرحلة، أشعر بأني حقًا ما زلتُ في أول الرحلة.


-         أدان: أنا أيضًا.

-         أليخاندرو: في الخمسون عامًا درستُ ورق التاروت، واليوم أشعر كما لو أني لم أفعل اطلاقًا. ما زلتُ اتعلم. لعلى احدهم سيقول " أنت المُعلم." لكن لا، أنا لستُ كذلك. سأظل طالبًا للأبد.


لكنك مررت بتحول مذهل في صناعة شخصيتك، لأنك حين كنت صغير، كنت أكثر غضبًا، أليس هذا صحيح؟

-         أليخاندرو: بالطبع.


والأن تبدو سعيد، ويبدو بأنك تحب مشاركة المعرفة والتجربة مع الناس.

-         اليخاندرو: الحياة طريق للكمال. تعمل على صنع نفسك، تصبح شخصًا أفضل. لو قمت بذلك ستكتشف مشاعر سامية. اولًا، عندما أسئل احدهم، " ما هو هدفك في الحياة؟" الشخص يجيب، "أن أحب، وأن أكون محبوبًا، لأجني الكثير مِن النقود، لأسافر العالم." يسمون الأشياء التي يردونها، فقط الاشياء التي يردونها.. لا يقولون أبدًا: " أنا أنسان، أريد أن يتغير هذا المجتمع للأفضل. هناك القليلين الذين يملكون الكثير، والكثرين الذين يملكون القليل." الاقتصاد يجب أن يتغير. لا يمكننا الاستمرار على هذا الحال. وهذا هدفي، السلام للجميع. ليس لصناعة المزيد من الحرب. لكشف ما هو الحُب الحقيقي، هذا هو ما يجب فعله.. أليس كذلك؟ فأن اؤمن أن "ما تمنحه، فأنت تمنحه لنفسك. والذي لا تمنحه، فأنت تحرمه عن نفسك."


أريد سؤالكما حول أمر ما. عندما كُنت اصغر سنا، فكرت دائمًا أن خلق فن عظيم هو أفضل من أن تكون ذاتك هي أعظم اعمالك..

-         أدان: انه لمن المهم التفكير في ذلك. عِندما تخلق، ترغب في النجاح، للمثال، بعد أن تحقق ذلك النجاح، ستحصل على النقود، وتُحقق كل تلك الاحلام العظيمة، ماذا بعد ذلك؟ من أنت؟ ما زلت  نفس الشخص، إذن ستعمل على شيء جديد، لا لست نفس الشخص؟ سوف تنضج، وينضج وعيك معك. عليك، أن تكون "بذرة" للعالم؛ ولهذا نحن نعيش، نحن هنا لنكون بذورًا، ينضج الوعي مع نضوجها.


-         اليخاندرو: أجل، "فانتستيك". ما الذي ستطلبه مِن بذرة؟ أن تكون سعيدة لكونها بذرة. لو أن تلك البذرة ليست سعيدة، ستنمو الشجرة لشيء مريع. كيف ستجعل البذرة تنمو على نحو جيد؟ تلك هي الصعوبة الحقيقة. لأنه عليك أن تقاتل لأجل ذلك. لا تخف وأؤمن بالمستحيل بعدها قاتل مع نفسك، لتصير أفضل. أفعلها. أؤمن بنفسك. أجعل تلك البذرة الجيدة تصير جيدة الأن، وبعدها ستصبح عندك شجرة جيدة.

ما الذي تظنه أكثر أهمية في الحياة: إدراك النفس أو خلاقة الفن؟ هل يتوجب على المرء القيام بكلاهما؟ أو أن فهم الذات هو أعظم الفنون؟

-         اليخاندرو: أعتقد في الحياة، هذا يعتمد على موهبتك. كل شخص لديه موهبة، ولكنها مختلفة. كل شخص عليه اكتشاف تلك المواهب الشخصية والاستمرار بتطويرها. وبعدها تُصبح أنت أنت، وأنت ما تفعله، وأنت ما تُحب فعله. الشيء الذي تقوم به لا لأنك تريد أن تصير مشهورًا أو لأنك تريد جمع النقود. الشيء الذي تقوم به لأنك تحبه!


-         ادان: لسنوات، وددتُ أن أكون ممثلًا حتي أصير نجمًا مشهورًا وأرضي غروري. لكن مع الوقت وبعدما صرت أبًا، لعبتُ الكثير مِن الادوار، وقمت ببعض جولات العمل، ومثلت في افلام، اكتشفت بعدها بأن هذا العالم فظيع، عالم المشاهير. انهم يحبون ذلك فقط لإرضاء غرورهم. ليحسو بأنهم مرغوبين، هذا كل ما في الأمر. وهكذا إذن، قررتُ بأني لم أعد أرغب بذلك. الأن وقد لعبتُ دور شخصية سيئة في احد الأفلام، أدركتُ بأني لم أعد اهتم.. كل ما يهمني هو أن اقوم بخلق فنًا جيد، شيء يفيد العالم، أيضًا. لهذا لم تعد عندي تلك الأحلام القديمة بعد الأن.

عندما ظهرت في فيلم  Santa Sangre...


-          ادان: كُنت في الثامنة مِن عمري.

في ذلك الوقت، هل أردت أن تصبح مُمثل؟


-         أدان: راقبتُ والدي طيلة حياتي وهو يعمل. راقبته وهو يكتب منذ الحادية عشر صباحًا حتي التاسعة مساءًا، راقبته كل تلك الأيام. رأيت ذلك طيلة حياتي، لهذا كُنت متحمس جدًا تجاه الفن. لعله مثال سيء، لكن أجل، أردتُ أن أصير فنانًا. في المدرسة، قالو: " ماذا تريد أن تصير!" قلت لهم:" أريد أن أصير شاعرًا! أريد أن أصير كاتبًا! مُمثل!" وبعدها عندما سألني أبي: " هل تريد أن تظهر في Santa Sangre،" قلت فورًا " نعم." وقال لي:" حسنًا لا بأس، سوف تعمل معنا." وصفعني على وجهي. وقال:" تذكر عليك فعلها بأفضل ما عندك." بكيتُ وبكيت، وبعد سنوات وسنوات مِن ذلك، بعد ما يقارب العشرون عامًا، عملنا على مسلسل في أسبانيا. وقد اتصل خلال العمل، والذي كان يعرض على قرابة الثلاثة مليون مشاهد، وقال لي: "هل تتذكر عندما صفعتك على وجهك لأنني اردتك أن تمثل بأفضل ما عندك؟" قلت له: "نعم أتذكر." فرد عليّ: " الأن حانت فرصتك لترد لي تِلك الصفعة!" وقد صفعته بالفعل أمام الثلاثة مليون مشاهد! (ضحكوا جميعًا) كان ذلك جميلاً.

-         اليخاندرو: نحن عائلة مِن الفنانين. تعذبتُ كثيرًا لأنني لم اجد زوجة تُحب الفن كما نحبه نحن بنفس هذه الطريقة النقية. وبعد أربعة وخمسون عامًا، عثرتُ اخيرًا على تلك المرأة.


وهي رسامة؟

-         اليخاندرو: نعم إنها رسامة. وقد عملنا معنًا، على ألوان الفلم، فهي أفضل مني فيما يخص ذلك، وقد صممت الأزياء للفلم كذلك. تعاونا. وهذا الجزء المبهر. فقد وجدتُ سعادتي في ذلك التعاون. واليوم كُنت أفكر، "لعلي لم أرزق بأدان من الحب الحقيقي، ولكن من كان ليكون لو جاء من امرأة أخرى، لو كانت باسكال هي أمه؟" وبعدها قلت: "لا، لا يجب أن افكر على هذا النحو. كانت أمه امرأة مثالية. فقد انجبت لي أدان، الذي احبه أكثر من كل شيء. وهو مثالي جدًا بالنسبة لي. وهي أيضًا مثالية، لكن ليس بالنسبة لي."
(في اليوم التالي، في مكتب THE ABKCO جاءت باسكال واليخاندرو جودوروسكي لمواصلة الحديث.)

 باسكال، ألوان الفيلم كانت مدهشة، وأعلم بأنك واليخاندرو عملتما سويًا على تصميمها. كيف قمتِ بذلك؟

-         باسكال: قمنا بذلك PascALEjandro (الأسم هو خليك بين باسكال واليخاندرو) لأننا بالطبع، نعمل على تجسيد رؤي الخاندرو. وهو فيلم لاليخاندرو، لهذا هو ملزم ليشرف على كل قطعة مِن الفيلم.  لا احد سبق وأن تكلم عن هذا الجزء من الفيلم، وهو مهم لأنه باستخدام ألوان مختلفة، سيكون الفيلم مختلف بالكامل. سيتغير معنى المشاهد بتغير الضوء، لو كان اللون بارد أو ناري. كُنا في العرض، نشاهد الشاشة، وعملنا مع الفني المُختص، صورة بصورة. قلنا له: " اكثر احمرارًا هنا، وأكثر زرقة هنا." كما نفعل مع رسم اللوحات. المزيد من الضوء هنا لإظهار التفاصيل." وكل ذلك لخلق اقرب تجسيد مِن رؤي اليخاندرو. كل ذلك، بالطبع، ترجمة مِن فهمي لما يريد اليخاندرو بمفرداته البصرية.


 في غرفة الانتظار كنت أتحدث مع صحفي أخر واول ما اخبرني به هو أن اكثر ما ابهره في الفيلم كان جمال الألوان..

-         باسكال: سعيدة لسماع ذلك لأن هذه ليست واقعية السينما. كل دقيقة في الفلم تجعلك تقول "هذه هي السينما. هذه ترجمة شاعرية للواقع، حتي لو كان كل شيء في هذا الفيلم واقعي." فمن المهم أن نذكر أنفسنا بأن السينما فن. نحن لا نحكي القصة لأجل الحوار، لكن لأجل خلق صورة غنية بصريًا، وغنية بالألوان، والمواد. هذه هي المفردات البصرية الحقيقة، وبالطبع نحن استعملنا الألوان بطريقة شاعرية، مِثلما نفعل مع اللوحات، لأنها حقيقة فالألوان لا تأتي مناسبة من الطبيعة وحدها، هناك قوة ومعني في هذه الألوان.
ولكوني رسامة، فأن افضل ما تتكلم عنه هو ذاتك لأن المواد التي تستعملها هي " ذاتك": تجاربك في الحياة، بدايتك، فنك في مستوياته المختلفة، مشاعرك، شخصيتك. للمثال، عندما يشاهد الناس الفيلم في "كان" فهو يصلهم على نحو شخصي. لهذا السبب، حتى وأن كان العمل شخصي، فهو في نفس الوقت، يصلهم. لأن اليخاندو استعمل تجارب حياته لمساعدة الأخرين واخبراهم بأنه ممكن أن تتصالح مع ماضيك. لتُعالج نفسك، وروحك، وتصبح أفضل.


البحث الأبدي عن الذات لعائلة " جودوروسكي" البحث الأبدي عن الذات لعائلة " جودوروسكي" Reviewed by Roya on 3:28 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.