نيل غيمان - اخلق فنًا جيدًا








لم أتوقع أبدًا أنّ أجد نفسي في المكان الذي يخولني أن أسدي نصيحة إلى خرجي مؤسسة من التعليم العالي. لم اتخرج من أي مؤسسة تعلمية بنفسي. ولم يسبق حتى أن بدأتُ واحدة. هربتُ من المدرسة فور أن استطعت. لم أحتمل خوض أربع سنوات من التعليمي الاجباري قبلها حين كان الكاتب الذي أردته، يختنق.
اقتحمتُ العالم، وكتبت، وغدوتُ كاتبًا أفضل كلما كتبت أكثر، وكتبت المزيد، وبدأ لي أن لا أحد يمانع بما كنت اكتب كلما كتبت أكثر. قرأوا فقط ما كتبت ودفعوا لي على ذلك، وأحيانًا لم يفعلوا. وغالبًا ما كانوا يطلبون مني أنّ أكتب لهم شيء مُختلف.
وهذا الذي جعلني أشعر بالاحترام والاعجاب الشديدان نحو التعليم العالي والذي كان أصدقائي وافراد عائلتي الذين لم يتوقفوا عن الذهاب للجامعات، قد نسوه منذ وقت طويل.
بالنظر إلى مسيرتي. تحصلتُ على رحلة استثنائية. لستُ متأكدا أن كان بوسعي أن أطلق عليها مسيرة مهنية، لأن المهنة تتطلب نوعًا من التخطيط المهني، ولم يسبق أن فعلت. وأقرب شيء لهذا قمت بفعله هو قائمة وضعتها حين كُنت في الخامسة عشر لكل شيء أردتُ القيام بفعله: كتابة رواية للبالغين، وكتابة قصة للأطفال، وقصة مصورة، وصنع فيلم، وتسجيل كِتاب صوتي، وكتابه حلقة من مسلسل Doctor who. وهكذا.. لم أحصل على مهنة، فعلتُ الأمر التالي في القائمة فقط.
لهذا فكرتُ بأن اخبركم بكل شيء تمنيت لو كنت اعرفه حين بدأتُ، وأمور قليلة، بالنظر لمسيرتي، كنت اعرفها.  وكذلك أريد أن اعطيكم أفضل نصيحة قد حصلتُ عليها في حياتي، والتي فشلتُ في اتباعها بالكامل.

أولًا: حين تبدأ العمل في مجال الفن فأنت لا تمتلك أي فكرة أبدًا عما تقوم به..
هذا عظيم.. فالأشخاص الذين يعرفون ما الذي يقومون به هم يعرفون القواعد، ويعرفون ما هو المُمكن وما هو الغير مُمكن. وأنت لا تعرف. ويجب ألا تعرف. فالقواعد حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن في مجال الفن قد وضعت من قبل اشخاص لم يختبروا حدود المُمكن من خلال الذهاب لما هو أبعد من تلك القواعد. وأنت بوسعك القيام بذلك.
إذا كنت لا تعلم بأنها مستحيلة فهذا سيكون أسهل لك حتى تفعلها. ولأن احدًا لم يفعلها من قبلك، فهم لم يضعوا قوعدًا بعد لإيقاف أي شخص سيحاول القيام بها مرة أخرى.

ثانيًا: إذا كانت لديك فكرة حول ما الذي تريد صنعه، والشي الذي جئت هنا لأجله، إذا أذهب فقط وأفعل ذلك الشيء.
وهذا أصعب مِما يبدو عليه، أحيانًا في نهاية المطاف، سيكون أسهل حتى مِما كُنت تتخيَّل. لأنه من الطبيعي، أنّ يكون هناك أشياء عليك القيام بها قبل أنّ تصل إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه.
 لقد أردتُ أنّ أكتب القِصص المُصورة والروايات والقِصص والأفلام، لهذا صِرتُ صحافيًا، لأنه مسموح للصحافي بأنّ يطرح الأسئلة، وببساطه ليخرج ويفهم كيف تسير الأمور في العالم، وبالإضافة لذلك، حتى أكتب تلك الأشياء التي اردتُ كتابتها وأن أكتبها بشكل جيَّد، كان يُدفع لِي أجرًا لأتعلم كيف أكتب باقتصاد، وبشكل هش، وأحيانًا في ظروف معاكسه، أو على الوقت.
أحيانًا الطريقة التي يجب عليك اتباعها، لتفعل ما تأمل أن تفعل تكون واضحة جدًا، وأحيانًا يكون من المستحيل أن تقرر ما إذا كنت تفعل الشيء الصحيح، لأنه سيكون عليك أنّ تحدد اهدافك وتأمل بأن تتمكن من تغديه نفسك، وتسدد الديون، وتحصل على وظيفة، وتعيش على ما يمكنك أنّ تحصل عليه.
 هناك أمرًا قد نجح معِي وكان ذلك بتخيَّل المكان الذي اردتُ أن أكون عليه-مؤلف، ومؤلف روايات في المقام الأول، أن أكتب أدبًا جيدًا، وقِصصًا مصورة جيدة وأدعم نفسي مِن خلال كلماتي، لقد كان جبلًا.
جبلًا بعيدًا.. ذلك هو هدفي.
أدركتُ بأنني ما دمت قد واصلت الذهاب نحو الجبل سأكون على ما يرام. وحين أكون غير متأكدًا مِما يجب أن أفعل، أتوقف، وأفكر فيما أن كان ذلك الأمر سيدفعني نحو الجبل أو سيأخذني بعيدا عنه.. رفضت العمل في تحرير المجلات، وفرص عمل مناسبة أخرى كانت ستجلب معها نقودًا مناسبة لأني كنت أعرف ذلك، على الرغم من إنها كانت جذابة، إلا انها كانت ستأخذني بعيدًا عن الطريق، نحو الجبل.
 ولو جاءتني هذه العروض في وقت أبكر لربما كنت قد قبلتها، لأنها كانت أقرب إلى الجبل مِما كنت عليه في ذلك الوقت.
 تعلمتُ الكِتابة بممارسة الكتابة. كنت أميل للقيام بأي شيء يشعرني بأنه مغامرة، ولتوقف حين أشعر بأنه عمل مرهق، وهذا يعني بأن الحياة لا يجب أن تكون مرهقة.

ثالتًا: حين تبدأ مسيرتك، يجب أن تتعامل مع مشاكل الإخفاق. لا يجب أن تكون حساسًا، حتى تتعلم بأنه ليس على كل المشاريع أن تنجو. وحياة العمل الحر، وحياة الفنّ، عادة ما تشبه وضع الرسائل في زجاجات على جزيرة صحراوية، تأمل بأن يجد أحدهم إحدى زجاجاتك ويفتحها ويقرأها، وأن يضع شيئًا في المقابل داخل الزجاجة لتجد طريقة عودتها إليك: تقدير لعملك، أو طلب، أو نقودًا، أو حُب. وعليك أن تقبل فكرة بأنه عليك أن تضع مِئات الأشياء في كل زجاجة قبل أن تجرفها الرياح عائدة إليك.
إن مشاكل الإخفاق هي مشاكل التثبيط، واليأس، والجوع. تريد أن يحدث كل شيء خططت له وتريده أن يحدث الأن، ولا تسير الأمور كما تريدها.
كتابي الأول، كان مجموعة من المقالات التي كتبتها مقابل النقود. والتي تمكنت بفضلها من شراء آلة كتابة كهربائية من الدفعة المقدمة-كان يجب أن يكون في قائمة الأعلى مبيعًا. وكان يجب أن يعود لي بالكثير من الأرباح، لو لمْ يُفِلس الناشر في الفترة ما بين بيع الطبعة الأولى والطبعة الثانية، وقبل أن أستلم حقوقي، لكان قد نجح.
وهززتُ اكتافي على ذلك، وكانت ماتزال معي الألة الكاتبة والنقود الكافية لدفع الايجار لبضعه شهور، وقد قررتُ بأن أفعل ما بوسعي في المستقبل حتى لا ينتهي بي المطاف أكتب لأجل النقود.
 إذا لم تحصل على النقود، إذا أنت لا تمتلك أي شيء. لو قمت بعمل وكنت فخورًا به، ولم تحصل على مقابلًا لأجله، لكان ليبقى بحوزتك العمل على الاقل.
مرة بعد أخرى، أنسي تِلك القاعدة، وكلما فعلت، يركلني العالم بقوة لتذكرني بذلك. لم أكنّ أعلم بأنها مشكلة عند أي أحد أخر سواي، لكنها حقيقة بأن لا شيء قمت بفعله لأجل النقود كان يستحق ما فعلت لأجله، باستثناء التجربة المريرة.  وعادة لا اتحصل على النقود أيضًا. الأشياء التي فعلتها لأني كُنت متحمس، ورغبت في رؤيتها على أرض الواقع لم تخذلني، ولم أندم أبدًا على الوقت الذي قضيته على أيًا منها.
مشاكل الإخفاق صعبة.
ومشاكل النجاح مِن المُمكن أنّ تكون أصعب، لأن لا أحد سيحذرك منها.
أولى مشكلة لأي نوع من أنواع النجاح، حتى النجاحات المؤقتة هي تلك الزعزعة بأنك تهرب مع شيء ما، وفي أي لحظة سوف يكتشفونك. إنها متلازمة الاحتيال، والذي عمدته زوجتي أماندا باسم شرطة الاحتيال.
في حالتي، كُنت مقتنعًا بأنه سيكون هناك قرع على الباب، ورجلًا مع لائحة (لا أعرف لماذا يحمل لائحة لكنه يظهر هكذا، في رأسي) سيكون هناك، ويقول لي بأن كل شيء قد انتهى. وبأنهم قد قبضوا عليّ والأن يجب أن أعثر على وظيفة حقيقة، والتي لا تخولني خلق القصص وكتابتها، وقراءة الكُتب التي أريد أن أقرأ. وهكذا سأذهب بهدوء بعيدًا وأحصل على وظيفة حيث لا يتوجب عليّ خلق الأشياء مرة أخرى.
مشاكل النجاح، حقيقة، ومع الحظ سوف تختبرها. في تلك المرحلة التي تتوقف فيها عن قول " أجل" لكل شيء، لأن كل الزجاجات التي رميتها في المحيط ستعود لك، وعليك الأن أنّ تتعلم قول " لا."
 شاهدتُ أقراني، وأصدقائي، والذين كانوا أكبر مني وراقبت كم كان بعضهم تعيسًا: واستمعتُ إلى كيف أنهم لم يعد بوسعهم تخيَّل العالم حيث يفعلون فيه ما أرادوا دومًا فعله، لأن عليهم الأن أن يجنوا راتبًا معين كل شهر حتى يتمكنون من البقاء في المكان الذين هم فيه. لم يكن بوسعهم الذهاب لفعل الأشياء التي تهمهم، والتي أردوا فعلها حقًا؛ وكان هذا مأسوي مِثله مِثل أي مشكلة من مشاكل الإخفاق.
وبعد كل ذلك، أكبر مشاكل النجاح هي حين يتأمر العالم لإيقافك من فعل ما تفعل، لأنك ناجح!
وجاء يومًا حين لاحظتُ بأنني قد صرتُ محترفًا في كتابة الردود على رسائل البريد الالكتروني، وأكتب قصصي مِثل الهاوي. وبدأت أجيب على رسائل أقل، وهكذا وجدتُ نفسي أعود للكتابة أكثر.

رابعًا: أتمنى أن ترتبكوا أخطاء. لو كنت ترتكب أخطاء، فهذا يعني بأنك تقوم بفعل شيئًا. والأخطاء في حد ذاتها يمكن أن تكون مفيدة. ففي احدى المرات أخطأت في كتابة أسم كارولاين، في رسالة، وقد استبدلتُ الألف بحرف الواو وقد خمنت بأن " كورالاين يبدو كأسم حقيقي.."
تذكر مهما كانت حرفتك، حتى لو كنت موسيقيًا أو مصورًا، فنانًا تشكلي أو رسام كرتون، أو كاتبًا، أو راقصًا أو مصممًا، أو أي شيء تقوم بممارسته فأنت تمتلك شيء مُميزًا، أنك تمتلك المقدرة على خلق الفن!
وبالنسبة لي وللكثير مِمن اعرفهم، فقط كان هذا كافيًا لأنقاد حياتي. لينقدها بشكل كامل. وهذا سيحصل من خلال الأوقات الجيدة ومن خلال الأوقات الأخرى.
احيانًا تكون الحياة صعبة. ولا تسير الأمور بشكل جيد، في الحياة، وفي الحب وفي العمل وفي الصداقات وفي الصحة وفي كل الأمور التي من المُمكن ألا تسير بخير. وحين تصير الأمور صعبة، هذا ما يتوجب عليك فعله:
أخلق فنًا جيدًا!
أنا جادًا في ذلك. يهرب زوجك مع امرأة سياسية؟ اخلقي فنًا جيّدًا. سُحِقت ساقك واكلتها أفعى ضخمة؟ أخلق فنًا جيّدًا. مصلحة الضرائب تطاردك؟ أخلق فنًا جيدًا. انفجرت قطتك؟ أخلق فنًا جيدًا. أحدهم على الانترنت يعتقد بأن ما تقوم به غبي أو شرير أو سبق وأن قام به أحد من قبل؟ أخلق فنًا جيدًا.
 ربما ستعمل الأمور بطريقة ما، وبشكل تدريجي سوف يأخذ الوقت الحمل عنك بعيدًا، لكن هذا لا يهم. أفعل فقط ما تستطيع أن تفعله أفضل.
 أخلق فنًا جيدًا.
وأخلقه في الأيام الجيدة أيضًا..

وخامسًا: وفيما تقوم بعملك، تخلق فنك الخاص. أفعل الأشياء التي أنت فقط من يستطيع فعلها.
الإلحاح حين تبدأ، يدفعك لتقليد. وهذا ليس بالأمر السيء.  مُعظمنا يجد صوته الخاص بعد أن يقوم بتقليد أصوات الأخرين. لكن الشيء الوحيد الذي تملكه والذي لا يملكه أي أحد أخر هو "أنت". صوتك، وعقلك، وقصتك، ورؤيتك. لهذا أكتب وأرسم وابنِ وألعب وأرقص وعِش فقط كيف ما تستطيع.
في اللحظة التي تشعر بأنك تسير في الشارع عاريًا، فاضحًا قلبك وعقلك وما بداخلك، تظهر كثيرًا من نفسك. في هذه اللحظة ربما أنت أخيرًا قد بدأت تقوم بعملك بالشكل الصحيح. 
الأشياء التي فعلتها ونجحَّت بالشكل الصحيح كانت الأشياء التي وثقت بها أقل من غيرها، القصص التي كنت واثقًا بنجاحها، أو كنت أراها فاشلًا مُحرجًا والذي لن يتوقف الناس عن الحديث عنها في تجمعاتهم حتى نهاية الوقت. كانت دائِمًا تمتلك شيئًا مشتركًا: بالنظر إلى مسيرتي، يفسر لِي الناس لماذا كانت هذه الأعمال ناجحة أكثر من غيرها، وبينما كنت أعمل عليها، لم تكن عندي أية فكرة عن ذلك.
ومازالتُ لا أعرف.  وأين سيكون المرح لو كنت تعرف مسبقًا بأنك تعمل على شيئًا ناجحًا؟
وأحيانًا الأشياء التي توقعتها أن تنجح لم تفعل. وبعض من قصصي لم يتم حتى إعادة طبعتها. بعضها حتى لم يغادر المنزل. لكني تعلمتُ منها بقدر ما تعلمتُ من تلك التي نجحت.

سادسًا: سوف أقول لكم بعض الأسرار من معرفتي بالعمل المستقل. المعلومات السرية دائمًا جيدة. وهي مفيدة جدًا لأي شخص قرر أن يخلق الأعمال الفنية للأخرين، لتصير فنانًا مُستقلًا في أي مجال. تعلمتُ ذلك من القصص المُصَّورة، لكنه ينجح في كل المجلات الأخرى أيضًا. وهذا هو:
يتم استدعاء الناس للعمل لأنه، بطريقة ما، يتم استدعاءهم. وفي حالتي قمت بفعل أمر ما والذي يمكن القيام به بسهولة هذه الأيام، والذي كلفني بعض المتاعب حينها. حين بدأتُ، قبل ظهور الانترنت، كانت تبدو لي مِثل خطة محكمة التخطيط: حين كان يتم سؤالي من قبل المحررين من الذي عملتُ لديهم قبل الأن، كنت أكذب. وضعتُ قائمة من المجلات التي من المرجح أن أعمل لديها، وكنت على ثقة مِما أفعل، وحصلت على العمل. وبعد ذلك للحفاظ على شرفي قمت بكتابة عملًا لكل مجلة من القائمة حتى اتحصل بفضلها على عملي الأول، وهكذا حتى لا أكون قد كذبت فعلًا، فقط كنت أريد تحقيق ما قلت..
 وتحصل على العمل كيفما تحصل على العمل.

يستمر الناس في العمل، في عالم الأعمال المستقلة، وقد بدأت الكثير من الناس يلجؤون إلى الاعمال المستقلة، لأن أعمالهم جيدة، ولأنه من السهل التعامل معهم، ولأنهم ينهون العمل في الوقت. وأنت لا تحتاج حتى إلى الثلاثة معًا. اتنان من الثلاثة يكفي. وسوف يتغاضى الناس النظر لسماجتك إن كان عملك جيدًا وتنجزه في الوقت المحدد. وسوف يسامحونك على تأخرك في العمل لو كان جيدًا. ولا يجب أن تكن جيدًا كما الأخرين لو كنت تنجز عملك في الوقت المحدد وسوف يسعدون للعمل معك.
حين وافقتُ على إلقاء هذا الخطاب، بدأت أفكر في أفضل نصيحة قمت بمنحها عبر السنوات.
وقد تذكرت بانها جاءتني قبل عشرون عامًا من ستيفين كينج، حين كانت قصتي " Sandman" في قمة نجاحها. كنت أكتب قصة أحبها الناس وكنت جادًا في العمل عليها. أحب كينج القصة وروايتي الأخرى التي كتبتها مع تيري براتشيت " good omens" وقد شاهد النجاح الجنوني والصفوف الطويلة التي تنتظر التوقيع وكل هذه الأمور، وكانت نصيحته هي:
" هذا عظيم، يجب أن تستمتع بما تفعل."

ولكني لم أفعل.  تجاهلت أفضل نصيحة كنت قد حصلت عليها. وعوضًا عن ذلك قلقتُ. قلقت حول موعد التسليم القادم، والفكرة القادمة، والقصة القادمة. لم تكن هناك لحظة لم أفكر في رأسي بالأعمال التي سأكتبها خلال الخمسة عشر أو أربعة عشر عامًا القادمة، أو أتسأل حولها. ولم أتوقف وانظر حولي وأقول " هذا مُمتع." أتمنى لو أنني استمتعت بذلك النجاح أكثر. كانت رحلة مذهلة. لكن هناك أجزاء من هذه الرحلة لم استمتع بها، لأني كنت قلقلًا حول الأشياء التي لن تنجح، وحول القادم، حتى أنى لم استمتع بها.
أعتقد بأن هذا كان أصعب درسًا بالنسبة لي: دع الأمور تسير وأستمتع بالرحلة، لأن الرحلة سوف تأخذك إلى أماكن استثنائية وغير متوقعة.
وهذا المسرح هنا، اليوم، إنه أحد تلك الأماكن الغير متوقعة. (أنا استمتع بنفسي جيدًا اليوم)
 إلى كل خريجي اليوم: أتمنى لكم حظًا موفقًا. الحظ مفيد. لاحقا سوف تكتشفون أنه كلما عملت بجد أكثر، وكلما عملت بحكمة أكبر، سوف تصير أكثر حظًا. لكن هناك حظ وسوف يساعدكم.
إننا في عالم سريع التقلب هذه الأيام، لو كنت تعمل في أي مجال فني، لأن طبيعة التوزيع تتغير، فالقوالب التي خرج الفنانين بها للعالم، وقد ابقوا من خلالها سقوفًا فوق رؤوسهم واشتروا بها السندوتشات بينما هم يعملون عليها، كلها تتغير. تكلمتُ مع الناس في أعلى دور النشر، وفي المكاتبات، وفي كل هذه الأماكن، ولا أحد كان يعرف كيف سيكون العمل بعد عامين من الأن، دعك من العشر سنوات القادمة. قنوات التوزيع التي صنعها الناس في القرنين الأخريين كلها تتغير باستمرار، للفنون المرئية، للموسيقيين، لكل الناس المبدعة في كل المجلات.
والذي هو على نحو ما، مُرعب جدًا، ومن جهة أخرى، محررًا على نحو جيَّد. القواعد، والتوقعات، وكيف يفترض أن تظهر عملك، وماذا تفعل بعد ذلك، كلها لم تعد صالحة. فالحُرَّاس يتركون البوابات. يمكنك أن تكون مبدعًا كما تشاء وأن تُظهِر أعمالك. من خلال اليوتيوب والمتصفح، (وما يأتي بعد اليوتيوب والمتصفح) سوف يساعدك على اظهار أعمالك للناس أكثر مِما يفعل التلفزيون. القواعد القديمة تتلاشى ولا أحد يعرف ما هي القواعد الجديدة.
لهذا أصنع قواعِدك الخاصة.
سألتني احداهن حوَّل كيفية القيام بِعمل ما والذي كانت تعتقد بأنه صعب، وفي حالتها كانت تسأل عن تسجيل كِتاب صوتي، وقد نصحتها بأن تتظاهر بأنها شخص يجيد القيام بذلك. ليس أن تتظاهر أن بوسعها فعل ذلك، ولكن أن تتظاهر بأنها شخص يُجِيد القيام بذلك. وقد وضعتَّ مُلاحظات على ذلك فوق حائط الاستديو حيث تعمل، وقد قالت بأن ذلك ساعدها.
كن حكيمًا، لأن العالم يحتاج إلى المزيد من الحكمة، وإذا لم يكن بوسعك أن تكون حكيمًا، تظاهر بأنك شخصًا حكيم، وبعدها تصرف كما يتصرف الحكماء.
والأن، انطلقوا، وارتكبوا أخطاءً مثيرة، واخطاءً مذهلة، أخطاءً عظيمة ورائعة. حطموا القواعد.
 أجعل العالم أكثر إثارة لأنك فيه.
وأخلقوا فنًا جيدًا!






  

نيل غيمان - اخلق فنًا جيدًا نيل غيمان - اخلق فنًا جيدًا Reviewed by Roya on 5:51 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.